الحياة أخذٌ وعطاء.. أمّا ذلك البخيل.. فلا يعرفُ العطاءَ أبداً، ولا يحسن إلاّ الأخذَ، لذا كرهه كلُّ مَنْ عرفهُ.
إذا سمع أحداً، يقول له:
هات.
أصمَّ أذنيهِ، ومضى معرضاً، لا يلوي على أحد، ولو كان المطلوبُ شربةَ ماء!
وإذا سمعَ أحداً، يقول له:
-خذْ.
بسط يدهُ طامعاً، ولو نال تراباً!
وكان يبخلُ على الناس، ويبخلُ على نفسهِ، فيقاومُ الجوعَ ما استطاع، حتى ينهدَّ حيلهُ، وتخور عزيمته، ويشعر بالخطر، حينذاك.. يذهب إلى السوق، فيشتري رغيفاً واحداً، ولا يشتري له إداماً، بل يأخذُ صنّارته، ويذهب إلى النهر، فيصطادُ سمكةً، ويحملها إلى مكان معزول، لا تقعُ عليه عينٌ، فيشوي السمكة، ويأكلها جميعها، لا يرمي منها رأساً ولا ذيلاً..
وفي هذا اليوم، مضى إلى النهر كعادته، وحينما وقف على الشاطئ، قفزَتْ أمام عينيه، سمكةٌ كبيرة، فلم يملكْ زمامَ نفسه، واندفع خلفها، يريد إمساكها، فزلقَتْ رجلُهُ، وهوى في النهر.. وكان لا يُجيد السباحةَ، فشرع يخبطُ بيديهِ، ورجليهِ، ويصرخُ ويستغيث..
أسرعَ إليه، شابٌ غريب، وناداه قائلاً:
-هات يدَكَ.
غضبَ البخيلُ، عندما سمع كلمة "هات"، ولم يستجبْ للنداء.
وظلَّ الشابُّ يصرخ: هات يدَكَ!
والناسُ يصرخون: أعطِهِ يدَكَ!
ومع ذلك.. لم "يعطِ" البخيلُ يدَهُ، ولم يكشف الناسُ سرَّ رفضِهِ، فكاد يهلكُ غرقاً، لولا أنْ بادرَ إليه، رجلٌ من قريتِه، يعرفُ أمرَهُ جيِّداً، فناداهُ قائلاً:
-خذْ يدي.
عندما سمعَ البخيلُ كلمةَ "خذْ"، سرعان ما مدَّ يدَهُ، وقبض على يد منقذِهِ، وخرجا معاً إلى الشاطئ..
حينذاك.. كشفَ الناسُ سرَّه، فتحلَّقوا حولَهُ،
وقالوا يُمازحونه:
-لماذا لم تعطِنا يدَكَ، ونحنُ نناديك؟!
قال البخيلُ حانقاً:
-أنا لا أُعطي أحداً شيئاً!
استغرق الحاضرون في الضحك، وشرعَ البخيلُ يلتفتُ
حولَهُ، ويسألُ مدهوشاً:
-لماذا تضحكون؟!